فصل: الجملة الثانية في محل كتابتها وصورة وضعها في الدرج:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الجملة الثانية في محل كتابتها وصورة وضعها في الدرج:

لا نزاع في أنها أول خاتمةٍ تكتب من خواتم المكتوب، فمحلها من الدرج أسفل المكتوب، في وسط الوصل، مكتنفة ببياض عن يمينها وشمالها، وبينها وبين السطر الآخر من المكتوب كما بين سطرين أو دونه.
وقد جرت عادة الكتاب في كتابتها بأنها إن كانت بقلم الرقاع كما في القطع الصغير، كتبت معلقة مسلسلة على هذه الصورة الله تعالى أو ما قاربها، وإن كانت بقلمٍ جليل كالثلث ونحوه، كتبت واضحة مبينة، والغالب فيها أن تكون على هذه الصورة إن شاء الله تعالى. قال جمال الدين بن شيثٍ في معالم الكتابة: ولا يضيف الكاتب إليها شيئاً في سطرها، بل تكون مفردةً في سطرٍ واحدٍ.

.الطرف الثاني في التاريخ:

وفيه تسع جمل:
الجملة الأولى في معناه:
وقد اختلف في أصل لفظه، فذهب قومٌ إلى أنه عربي، وأن معناه نهاية الشيء وآخره، يقال فلانٌ تاريخ قومه إذا انتهى إليه شرفهم، وعليه يدل كلام صاحب مواد البيان وابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتاب ونقل الشيخ علاء الدين بن الشاطر في زيجه عن بعض أهل اللغة أن معناه التأخير فيكون مقلوباً منه. وذهب آخرون إلى أنه فارسي، وأن أصله ماه زور فعرب مورخ، ثم جعل اسمه التاريخ، وإليه يرجع كلام السلطان عماد الدين صاحب حماة رحمه الله في تاريخه، ويقال منه أرخت ورخت بالهمزة والواو لغتان، ولذلك قالوا في مصدره تأريخ وتوريخ، كما يقال تأكيد وتوكيد. قال في ذخيرة الكتاب: أرخت لغة قيس، ورخت لغة تميم. قال أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل: ولا تكاد ورخت تستعمل اليوم، وكأن الكتاب كانوا قد رفضوا هذه اللغة في زمانه وإلا فهي لغةٌ مستعملةٌ إلى الآن، إلا أنها لما غلبت في ألسنة العوام ابتذلت. قال الشيخ أثير الدين أبو حيان في شرح التسهيل: والتاريخ هو عدد الليالي والأيام بالنظر إلى ما مضى من السنة أو الشهر وإلى ما تبقى منهما، قال في مواد البيان: وهو محقق للخبر، دال على قرب عهد الكتاب وبعده.
الجملة الثانية في وجه الاحتياج إليه:
قال محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة: أجمعت العلماء والحكماء والأدباء والكتاب والحساب على كتابة التاريخ في جميع المكتتبات. قال صاحب نهاية الأرب: ولا غنية عنه، لأن التاريخ يستدل به على بعد مسافة الكتاب وقربها، وتحقيق الأخبار على ما هي عليه. وقد قال بعض أئمة الحديث: لما استعملوا الكذب استعملنا لهم التاريخ. وقد اصطلح الكتاب على أنهم يؤرخون المكاتبات والولايات ونحوها مما يصدر عن الملوك والنواب والأمراء والوزراء وقضاة القضاة ومن ضاهاهم، بخلاف المكاتبات الصادرة عن آحاد الناس، فإنه لم تجر العادة فيها بكتابة تاريخٍ.
الجملة الثالثة في بيان أصول التواريخ:
قال القضاعي في عيون المعارف في تاريخ الخلائف: كانت الأمم السالفة تؤرخ بالحوادث العظام وبملك الملوك، فكان التاريخ بهبوط آدم عليه السلام، ثم بمبعث نوح، ثم بالطوفان، ثم بنار إبراهيم عليه السلام.
ثم تفرق بنو أبراهيم، فأرخ بنو إسحاق بنار إبراهيم إلى يوسف، ومن يوسف إلى مبعث موسى عليه السلام، ومن موسى إلى ملك سليمان عليه السلام. ثم بما كان من الكوائن. ومنهم من أرخ بوفاة يعقوب عليه السلام، ثم بخروج موسى من مصر ببني إسرائيل، ثم بخراب بيت المقدس.
وأما بنو إسماعيل، فأرحوا ببناء الكعبة، ولم يزالوا يؤرخون بذلك حتى تفرقت بنو معد، وكان كلما خرج قومٌ من تهامة أرخوا بخروجهم. ثم أرخوا بيوم الفجار، ثم بعام الفيل.
وكان بنو معد بن عدنان يؤرخون بغلبة جرهم العماليق وإخراجهم إياهم من الحرم. ثم أرخوا بأيام الحروب: كحرب بني وائلٍ، وحرب البسوس، وحرب داحس.
وكانت حمير وكهلان يؤرخون بملوكهم التبايعة، وبنار ضرارٍ، وهي نارٌ ظهرت ببعض خراب اليمن، وبسيل العرم، ثم أرخوا بظهور الحبشة على اليمن.
وأما اليونان والروم، فكانوا يؤرخون بملك بختنصر، ثم أرخوا بملك دقلطيانوس القبطي وأما الفرس فكانوا يؤرخون بآدم عليه السلام، ثم أرخوا بقتل دارا وظهور الإسكندر عليه، ثم بملك يزدجرد. والذي ذكره السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه في دائرة اتصال التواريخ القديمة بالهجرة عشرون تاريخاً، ذكر ما بينها وبين الهجرة من السنين، إلا أنه لم يراع الترتيب في بعضها، وأهمل منها تاريخ يزدجرد لوقوعه بعد الهجرة.
وبالجملة فالتواريخ على قسمين:
القسم الأول: ما قبل الهجرة:
وقد أوردت منه تسعة عشر تاريخاً:
الأول من هبوط آدم عليه السلام. وقد اختلف فيما بينه وبين الهجرة اختلافاً فاحشاً، فمقتضى ما في التوراة اليونانية على اختيار المؤرخين أن بينهما ستة آلاف سنةٍ ومائتين وست عشرة سنة، وعلى اختيار المنجمين أن بينهما خمسة آلافٍ وسبعمائة وتسعاً وستين سنة.
ومقتضى ما في التوراة السامرية على اختيار المؤرخين خمسة آلاف ومائةٌ وسبعٌ وثلاثون سنة، وعلى اختيار المنجمين ينقص عن ذلك.
ومقتضى ما في التوراة العبرانية، على اختيار المؤرخين أن بينهما أربعة آلافٍ وسبعمائةٍ وإحدى سنةً، وعلى اختيار المنجمين ينقص مائتين وتسعاً وأربعين سنةً.
الثاني من الطوفان. وبينه وبين الهجرة ثلاثة آلافٍ وتسعمائة وأربعٌ وتسعون سنة على اختيار المؤرخين، وعلى اختيار المنجمين ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمسٌ وعشرون سنة وثلثمائة وستة أيام.
الثالث من تبلبل الألسن. وبينة وبين الهجرة على اختيار المؤرخين ثلاثة آلافٍ وثلثمائةٍ وأربعٌ وستون سنة، وعلى اختيار المنجمين ينقص عن ذلك مائتين وتسعاً وأربعين سنةً.
الرابع من مولد إبراهيم عليه السلام. وبينه وبين الهجرة على اختيار المؤرخين ألفان وثمانمائةٍ وثلاثٌ وتسعون سنة، وعلى اختيار المنجمين ينقص عن ذلك مائتين وتسعاً وأربعين سنةً.
الخامس من بناء إبراهيم الكعبة. وبينه وبين الهجرة ألفان وسبعمائة وثلاث وسبعون سنة.
السادس من وفاة موسى عليه السلام. وبينه وبين الهجرة على اختيار المؤرخين ألفان وثلثمائةٍ وثمانٌ وأربعون سنة.
السابع من عمارة سليمان عليه السلام بيت المقدس. وبينه وبين الهجرة ألفٌ وثمانمائة وستون سنة.
الثامن من ابتداء ملك بختنصر. وبينه وبين الهجرة ألفٌ وثلثمائة وتسعٌ وستون سنة. قال صاحب حماة: بلا خلاف.
التاسع من تخريب بختنصر بيت المقدس. وبينه وبين الهجرة ألف وثلثمائة وخمسون سنة.
العاشر من ملك فيلبس أبي الإسكندر، وبينه وبين الهجرة تسعمائة وخمس وأربعون سنةً ومائةٌ وسبعة عشر يوماً.
الحادي عشر من غلبة الإسكندر على ملك فارس وقتل دارا ملك الفرس. وبينه وبين الهجرة تسعمائةٍ واثنتان وثلاثون سنة ومائتان وتسعون يوماً.
الثاني عشر من مولد المسيح عليه السلام. وبينه وبين الهجرة ستمائةٍ وإحدى وثلاثون سنةً.
الثالث عشر من ملك أرديالونص وبينه وبين الهجرة خمسمائة وتسعٌ وستون سنةً.
الرابع عشر من ملك أردشير أول ملوك الأكاسرة من الفرس. وبينه وبين الهجرة أربعمائةٍ واثنتان وعشرون سنةً.
الخامس عشر من خراب بيت المقدس المرة الثانية، وبينه وبين الهجرة ثلثمائة وستٌّ وأربعون سنة.
السادس عشر من ملك دقلطيانوس، آخر عبدة الأصنام من ملوك الروم على القبط. وبينه وبين الهجرة ثلثمائة وسبعٌ وثلاثون سنة وأحدٌ وعشرون يوماً.
السابع عشر من غلبة أغشطش ملك الروم على قلوبطرا ملكة اليونان ومصر. وبينه وبين الهجرة مائتان وخمسون سنةً ومائتان وستة وأربعون يوماً.
الثامن عشر من عام الفيل، وهو العام الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم. وبينه وبين الهجرة ثلاثٌ وخمسون سنةً وشهران وثمانية أيام.
التاسع عشر من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم. وبينه وبين الهجرة ثلاث عشرة سنةً وشهران وثمانية أيام.
القسم الثاني: ما بعد الهجرة:
وفيه تاريخٌ واحد، وهو من هلاك يزدجرد آخر ملوك الفرس. وكان بعد الهجرة بعشر سنين وثمانية وسبعين يوماً.
الجملة الرابعة في أصل وضع التاريخ الإسلامي وبنائه على الهجرة دون غيرها:
وقد اختلف في أصل ذلك، فحكى أبو جعفر النحاس في صناعة الكتاب عن محمد بن جرير، أنه روى بسنده إلى ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وقدمها في شهر ربيع الأول أمر بالتاريخ. وعلى هذا فيكون ابتداء التاريخ في عام الهجرة. قال النحاس: والمعروف عند العلماء أن ابتداء التاريخ بالهجرة كان في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ثم اختلف في السبب الموجب لذلك، فذكر النحاس أن السبب فيه أن عامل عمر بن الخطاب رضي الله عنه باليمن قدم عليه فقال: أما تؤرخون كتبكم؟ فاتخذوا التاريخ. ووافقه على ذلك صاحب مواد البيان. وذكر أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل أن السبب فيه أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنه يأتينا من قبل أمير المؤمنين كتبٌ لا ندري على أيها نعمل قد قرأنا كتاباً منها محله شعبان، فما ندري في أي الشعبانين ألماضي أو الآتي، فأحدث عمر التاريخ. وتبعه على ذلك ابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتاب. وذكر صاحب حماة في تاريخه، أنه رفع إلى عمر رضي الله عنه صكٌّ محله شعبان فقال: أي شعبان، لا ندري الذي نحن فيه أم الذي هو آتٍ، ثم جمع وجوه الصحابة وقال: إن الأموال قد كثرت، وما قسمناه منها غير مؤقت فكيف التوصل إلى ما يضبط به ذلك؟ فقالوا: يجب أن نعرف ذلك من أمور الفرس، فاستحضر الهرمزان وسأله فقال: إن لنا حساباً نسميه ماه زور ومعناه حساب الشهور والأيام فعمل عمر التاريخ.
الجملة الخامسة في بيان صورة ابتدائهم وضع التاريخ من الهجرة:
قال في ذخيرة الكتاب: لما أراد عمر التأريخ، جمع الناس للمشورة، فقال بعضهم: نؤرخ بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم: بل بوفاته وقال بعضهم: بل بهجرته من مكة إلى المدينة، لأنها أول ظهور الإسلام وقوته. فصوبه عمر واجتمع رأيه عليه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد ولد في عام الفيل المقدم ذكره في التواريخ القديمة. قال في ذخيرة الكتاب: وكان وقوع ذلك في اليوم الثاني عشر من شباط سنة ثمانمائةٍ واثنتين وثمانين لذي القرنين. وبعث النبي صلى الله عليه وسلم على رأس أربعين سنةً من ولادته، وأقام بمكة بعد النبوة عشر سنين، ثم هاجر إلى المدينة في شهر ربيع الأول بعد عشرٍ من النبوة، وقدم المدينة لاثنتي عشرة ليلةً منه.
ثم بعد اتفاقهم على التأريخ من الهجرة اختلفوا في الشهر الذي تقع البداءة به، فأشار بعضهم بالبداءة برمضان لشرفه وعظمه فقال عمر بل بالمحرم، لأنه منصرف الناس من حجهم، فرجعوا القهقري ثمانيةً وستين يوماً، وهي القدر الذي مضى من أول المحرم إلى ذلك الوقت واستقر تاريخ الإسلام من الهجرة.
قال القضاعي في عيون المعارف: وكان ذلك في سنة تسع عشرة أو ثماني عشرة من الهجرة.
قلت: واستقرت تواريخ الأمم على أربعة تواريخ، ابتداء بعضها مقدمٌ على ابتداء بعضٍ.
أولها غلبة الإسكندر على الفرس. وعليه تاريخ السريان والروم إلى زماننا.
والثاني ملك دقلطيانوس ملك الروم على القبط. وعليه تاريخ القبط إلى زماننا.
والثالث الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام. وعليها مدار التاريخ الإسلامي.
والرابع هلاك يزدجرد آخر ملوك الفرس. وبه تؤرخ الفرس إلى زماننا، وقد تقم بيان بعد ما بين تاريخ كل من غلبة الإسكندر وملك دقلطيانوس وبين الهجرة في القبلية، وبعد ما بين تاريخ يزدجرد وبين الهجرة في البعدية في الكلام على أصول التواريخ، مع ما سبق في المقالة الأولى في بيان ما يحتاج إليه الكاتبٌ من ذكر مقدار سنة كل منها وعددها من الأيام، وسيأتي الكلام على استخراج بعضها من بعضٍ، فيما بعد إن شاء الله تعالى.
الجملة السادسة في كيفية تقييد التاريخ في الكتابة بزمنٍ معينٍ:
وهو ضربان:
الضرب الأول: التاريخ العربي:
ومداره الليالي دون الأيام، لأن سني العرب قمريةٌ، والقمر أول ما يظهر للأبصار هلالاً في الليل، فتكون الليالي بهذا الاعتبار سابقةً للأيام، إذ اليوم عندهم عبارةٌ عن النهار، وهو إما من طلوع الفجر على ما ورد به الشرع في الصوم ونحوه، وإما من طلوع الشمس على رأي المنجمين. قال أبو إسحاق الزجاجي في كتابه الجمل: وإنما حمل على الليالي دون الأيام لأن أول الشهر ليله، فلو حمل على الأيام سقطت منه ليلةٌ. قال الشيخ أثير الدين أبو حيان في شرح التسهيل: واستغني بالليالي عن الأيام للعلم أن مع كل ليلة يوماً، فإذا مضى عددٌ من الليالي مضى مثله من الأيام فيجوز أن يستغني بذكر أحدهما عن الآخر. وقد ذكر جمال الدين عبد الرحيم بن شيثٍ في كتابه معالم الكتابة، أن كتب السلطان والأعيان تؤرخ بالليالي، والكتب من الأدنى إلى الأعلى تؤرخ بالأيام. ولم أعلم من أين أخذ ذلك ولا ما مستنده فيه.
إذا علم ذلك فلكتابة التاريخ ثلاثة اعتبارات:
الاعتبار الأول: أن يؤرخ ببعض ليالي الشهر:
وله ست حالات:
الحالة الأولى: أن تقع الكتابة في الليلة الأولى من الشهر أو في اليوم الأول منه:
فإن كانت الكتابة في الليلة الأولى منه فقد ذكر أبو جعفر النحاس في صناعة الكتاب أنه يكتب كتب غرةً شهر كذا، أو أول ليلةٍ من كذا، أو مستهل شهر كذا، أو مهل شهر كذا. وحكى الشيخ أثير الدين أبو حيان مثل ذلك عن بعضهم، وزاد أنه يكتب أيضاً كتب أول شهر كذا.
قال النحاس: لا يجوز حينئذ لليلةٍ خلت ولا مضت لأنهم في الليلة بعد. قال في ذخيرة الكتاب: وربما كتب بعض الكتاب ليلة الاستنهلال لليلةٍ تخلو.
وإن كانت الكتابة في اليوم الأول، وهو النهار الذي يلي الليلة الأولى من الشهر، كتب لليلةٍ خلت أو مضت من شهر كذا. قال النحاس: ويجوز كتب لغرة الشهر أو لأول يوم من الشهر، ومنع أن يقال حينئذ: أول ليلة من شهر كذا، أو مستهل شهر كذا، أو مهمل شهر كذا، موجهاً لذلك بأن الاستهلال إنما يقع في الليل. وتبعه على ذلك ابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتاب وصاحب مواد البيان وبه جزم الشيخ جمال الدين بن هشام في ورقاته في الوراقة. وكلام ابن مالك في التسهيل يوهم جواز ذلك فإنه قد قال: فيقال أول الشهر، كتب لأول ليلة منه، أو لغرته أو مهله أو مستهله. وأول الشهر أعم من اليوم والليلة بل هو إلى الليلة أقرب، لأن الليلة سابقةٌ بالأولية.
قال الشيخ أثير الدين: ومفتتح الشهر أول يوم منه. ومقتضى كلامه أنه يؤرخ بالمفتتح في اليوم الأول من الشهر دون الليلة وفيه نظر، بل الظاهر جواز استعماله فيهما، بل الليلة بالمفتتح أولى لسبقها اليوم كما تقدم، أللهم إلا أن يراعى فيه موافقة المفتتح لليوم في التذكير دون الليلة لتأنيثها. قال في مواد البيان: والعرب تسمي أول ليلة من الشهر النحيرة، ولكن لا تستعمله الكتاب في التواريخ.
الحالة الثانية: أن تقع الكتابة فيما بعد مضي اليوم الأول من الشهر إلى آخر العشر:
فإن كان قد مضى منه ليلتان، كتب لليلتين خلتا من شهر كذا، أو لليلتين مضتا من قال في ذخيرة الكتاب: ولا يكتب ليوم خلا ولا ليومين خلوا، لأن ذكر الليالي في باب التأريخ أغلب، كما تقول ليلة السبت وليلة الأحد، فتضيف الليلة إلى اليوم لأنها أسبق، ولا تضيف اليوم إلى الليلة.
وحكى الشيخ أثير الدين أبو حيان أنه إذا مضى من الشهر يوم كتب ليومٍ مضى وإذا مضى يومان كتب ليومين مضيا. والتحقيق في ذلك أنه يختلف الحال فيه باختلاف الكتابة في الليل والنهار، فإن كتب في الليلة الثانية، ناسب أن يكتب ليوم خلا من شهر كذا، لأنه إن كتب لليلتين خلتا فهو في الليلة الثانية بعد، وإن كتب لليلةٍ خلت لم يظهر الفرق بينه وبين الكتابة في اليوم الأول من الشهر. وإن كتب في اليوم الثاني من الشهر، ناسب أن يكتب لليلتين خلتا أو مضتا. وإن كان قد مضى من الشهر ثلاث ليالٍ، كتب لثلاثٍ خلون أو مضين من شهر كذا، أو لثلاثٍ ليالٍ خلون أو مضين. ويجوز فيه لثلاثٍ خلت أو لثلاث ليالٍ خلت على قلة، وكذا في الباقي إلى العشر فتقول: لعشرٍ خلون أو مضين، أو لعشر ليالٍ خلون أو مضين، أو لعشرٍ، أو لعشر ليالٍ خلت أو مضت على اللغة القليلة.
الحالة الثالثة: أن تقع الكتابة فيما بعد العشر إلى النصف:
فيكتب لإحدى عشرة خلت أو مضت من شهر كذا. أو لإحدى عشرة ليلةً خلت أو مضت، ويجوز فيه لإحدى عشرة خلون أو لإحدى عشرة ليلةً خلون على قلة. وكذا في الباقي إلى النصف من الشهر. قال الشيخ أثير الدين أبو حيان: فإن صرح بالمميز وكان مذكراً، أعيد الضمير عليه فقال: لأحد عشر يوماً خلا أو مضى ونحو ذلك.
الحالة الرابعة: أن تقع الكتابة في الخامس عشر من الشهر:
فيكتب: كتب لنصف شهر كذا. قال النحاس: وأجازوا لخمس عشرة ليلة خلت أو مضت. وكلام ابن مالك في التسهيل يشير إلى جواز لخمس عشرة ليلةً خلت أو مضت أو بقيت على رأي من يجوز التاريخ بالباقي. ولو حذف ذكر الليلة فقال: لخمس عشرة خلت أو مضت أو بقيت صح. قال في التسهيل والتاريخ بالنصف أجود.
الحالة الخامسة: أن تقع الكتابة فيما بعد النصف من الشهر إلى الليلة الأخيرة منه:
وفيه لأهل الصناعة مذهبان: المذهب الأول أن يؤرخ بالماضي من الشهر كما في قبل النصف، فيقال: لست عشرة خلت أو مضت، أو لست عشرة ليلةً خلت أو مضت. وكذا إلى العشرين فيقال: لعشرين خلت أو مضت، أو لعشرين ليلة خلت أو مضت، وكذا في البواقي إلى آخر التاسع والعشرين، فيكون التاريخ في جميع الشهر من أوله إلى آخره بالماضي دون الباقي فراراً من المجهول إلى المحقق، وهو مذهب الفقهاء، لأنه لا يعرف هل الشهر تامٌّ أو ناقصٌ. قال النحاس: ورأيت علي بن سليمان يختاره. قال في ذخيرة الكتاب: وهو أثبت وحجته أقوى. ثم لاشك أن من يرى التاريخ باليوم يجوز لستة عشر خلا أو مضى من شهر كذا، وكذا فيما بعده.
المذهب الثاني أن يؤرخ بما بقي من الشهر. وللمؤرخين فيه طريقان: الطريق الأول أن يجزم بالتاريخ بالباقي فيكتب لأربع عشرة ليلةً بقيت من شهر كذا، ثم لثلاث عشرة ليلةً بقيت، وهكذا إلى الليلة الأخيرة من الشهر، فيكتب لليلةٍ بقيت، وهو مذهب الكتاب. قال النحاس: ورأيت بعض العلماء وأهل النظر يصوبونه، لأنهم إنما يكتبون ذلك على أن الشهر تامٌّ، وقد عرف معناه وأن كاتبه وقارئه إنما يريد إذا كان الشهر تاماً فلا يحتاج إلى التلفظ به. قال محمد بن عمر المدائني: واحتجوا لذلك بأن معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه، حين كتب عن النبي صلى الله عليه وسلم لابن الحضرمي كتب في آخر الكتاب: وكتب معاوية بن أبي سفيان لثلاث ليالٍ بقين من ذي القعدة بعد فتح مكة سنة ثمانٍ ثم قرأه عثمان بن عفان، رضي الله عنه، والناس حوله. قال النحاس: وقد وقع مثل ذلك في كلام النبوة. فقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال في ليلة القدر: التمسوها في العشر الأواخر لسابعةٍ تبقى أو لخامسةٍ تبقى. وهذا الحديث الذي استشهد به النحاس ثابتٌ في الصحيح فلا نزاع في العمل به.
الطريق الثاني أن يعلق التاريخ بالباقي على شرط، فيكتب لأربع عشرة إن بقيت، أو لأربع عشرة ليلة إن بقيت، وعلى ذلك في الباقي، فراراً من إطلاقا التاريخ بما لا يعلم تمامه أو نقصه وتعليقاً له على حكم التمام، وكأنه يقول: لأربع عشرة ليلةً بقيت من الشهر إن كان تماماً. ومن يرى التاريخ بالأيام يجوز لأربعة عشر يوماً من شهر كذا، وكذا في الجميع.
الحالة السادسة: أن تقع الكتابة في الليلة الأخيرة من الشهر أو في اليوم الأخير منه:
فإن كان في الليلة الأخيرة منه كتب لآخر ليلةٍ من شهر كذا أو في سلخ شهر كذا، أو في انسلاخه. وإن كان في اليوم الآخر منه كتب لآخر يومٍ من شهر كذا، أو في سلخه أو انسلاخه أيضاً. ولم يختلفوا هنا في جواز التاريخ باليوم. قال ابن حاجب النعمان: وذلك أن الشهر يبتديء بابتداء الليالي وينقضي بانقضاء النهار. وذكر صاحب مواد البيان أن الذي كان كتاب مصر يستعملونه بالديار المصرية أن يجعل شهرٌ ثلاثين يوماً وشهرٌ تسعةً وعشرين، وهذا جنوح منهم إلى الاعتبار النجومي، ولا معول على ذلك في الشريعة.
قلت: وكتاب زماننا قد أهملوا النظر في ذلك جملةً وعولوا على التاريخ بالأيام، واقفين عند حد اليوم الذي ينتهي إليه العدد من الشهر عند الكتابة فيكتبون في اليوم الأول: كتب في مستهل شهر كذا، ثم في ثاني شهر كذا أو ثالثه إلى العشر، ثم في حادي عشره وثاني عشره إلى العشرين، ثم في العشرين من شهر كذا، أو الحادي والعشرين، والثاني والعشرين إلى التاسع والعشرين. وفي اليوم الأخير من الشهر يكتبون في سلخ شهر كذا لا يعرفون غير ذلك.
ثم مما يستحسن في التاريخ أنه إذا وقعت الكتابة في يوم مشهور كأيام المواسم أرخ به، مع قطع النظر عن عدد ما مضى من الشهر أو بقي منه. فيكتب في اليوم الأول من شوال كتب في يوم عيد الفطر وفي تاسع ذي الحجة كتب في يوم عرفة وفي عاشره كتب في يوم عيد النحر، أو في يوم عيد الأضحى وفي حادي عشره كتب في يوم القر بفتح القاف، سمي بذلك، لأن الناس يستقرون فيه بمنًى، وفي ثاني عشره كتب في يوم النفر الأول لأن الحجيج ينفرون فيه من منًى، وفي ثالث عشره كتب في يوم النفر الثاني.
الاعتبار الثاني: أن يؤرخ بجملة من أيام الشهر:
فإن أرخ بعشر من الشهر، بناه على التأنيث، فيكتب كتب في العشر الأولى، أو في العشر الأول بضم الهمزة وفتح الواو، جمع أوله. أو كتب في العشر الوسطى أو في العشر الوسط بضم الواو وفتح السين، جمع وسطى، أو كتب في العشر الأخرى أو في العشر الأخر بضم الهمزة وفتح الخاء، جمع آخرةٍ. قال الشيخ أثير الدين أبو حيان: ولا يكتب العشر الأول ولا الأوسط ولا الآخر. وقال بعض النحويين: يكتب وكتب في العشر الآخرة أو الأواخر ولا يكتب الأخرى ولا الأخر، لئلا يلتبس بالآخر بمعنى الثاني أو الأخر بمعنى الثواني. وقد تقدم في الكلام على أيام الشهر أن العرب تسمي ليالي الشهر كل ثلاث منها باسمٍ، وقد تقدم ذكر أسمائها هناك. فإذا وقعت الكتابة في ثلاثٍ منها، كالغرر، وهي الثلاث الأولى من الشهر، والدآدي، وهي الثلاث الأخيرة منه، كان للكاتب أن يؤرخ بها كما يؤرخ بعشر من الأعشار الثلاث، بل الثلاث أقرب لمعرفة التاريخ في العشر. وقد أشار إلى ذلك الشيخ أثير الدين في شرح التسهيل فقال: وإن أرخ بالثلاث الأخيرة من الشهر كتب الدآدي. وإذا كان في السنة أيام مشهورةٌ، أرخ بها كالأيام المعلومات، وهي العشر الأول من ذي الحجة، والأيام المعدودات، وهي أيام التشريق على ما تقدم ذكره في موضعه، كان للكاتب أن يؤرخ بها.
الاعتبار الثالث: أن يؤرخ بأجزاء اليوم أو الليلة:
وأكثر ما يحتاج الكاتب إلى ذلك في تاريخ بطائق الحمام، وقد سبق في الكلام على الأيام أن كل واحدٍ من الليل والنهار اثنتا عشرة ساعةً زمانية، تطول بطول أحدهما وتقصر بقصره، ولكل ساعةٍ منها اسم يخصها، كالشروق، وهو أول ساعات النهار، والغروب، وهو آخر ساعاته، والشفق، وهو أول ساعات الليل، والصباح، وهو آخر ساعاته. فينبغي للكاتب إذا كتب بطاقةً من بطائق الحمام أن يكتب الساعة التي كتبت فيها من ساعات الليل، أما ساعات الليل فلا يتأت فيها ذلك، لأن الحمام لا يسرح في الليل، اللهم إلا أن تدعو الضرورة إلى التاريخ بساعةٍ من ساعات الليل في بعض المكاتبات فيؤرخ بها.
قلت: وهذا الترتيب قد تركه كتاب زماننا، وصاروا يؤرخون بالساعات المشهورة عندهم، كالأولى من النهار، أو الثانية، أو وقت الظهر، أو وقت العصر، ونحو ذلك.
الضرب الثاني: التاريخ العجمي:
ومداره الأيام دون الليالي، لأن سنتهم مع اختلافها في الشهور ومبادئها ومقاطعها شمسيةٌ، والشمس محل ظهورها النهار دون الليل، فلذلك أرخوا بالأيام. قال أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل: قال أحمد بن يحيى البلاذري: حضرت مجلس المتوكل، وإبراهيم بن العباس يقرأ الكتاب الذي أنشأه في تأخير النوروز، والمتوكل يتعجب من حسن عبارته ولطف معانيه والجماعة تشهد له بذلك، فدخلتني نفاسةٌ، فقلت: يا أمير المؤمنين، في هذا الكتاب خطأ! فأعادوا النظر، وقالوا: ما نراه فما هو؟ قلت: أرخ السنة الفارسية بالليالي، والعجم تؤرخ بالأيام، واليوم عندهم أربعٌ وعشرون ساعةً تشتمل على الليل والنهار، وهو جزء من ثلاثين جزءاً من الشهر، والعرب تؤرخ بالليالي، لأن سنيهم وشهورهم قمرية، وابتداء الهلال بالليل، قال: فشهدوا بصحة ما قلته، واعترف به إبراهيم. وقال: ليس هذا من علمي.
قلت: وأكثر ما يحتاج إلى ذلك في تحويل السنين ونقل النيروز عند دوران السنين، كما في كتاب إبراهيم بن العباس المقدم ذكره، وكذلك في كتابة الهدن فسيأتي أنه يجمع فيها بين التاريخ العربي والعجمي جميعاً، ويجب فيه تقديم العربي على العجمي، مثل أن يكتب كتب لعشرٍ خلون من المحرم سنة ثمانمائةٍ، موافقاً للعاشر من توت من شهور القبط أو العاشر من تشرين الأولى من شهور السريان، أو العاشر من ينير من شهور الروم، أو العاشر من أفرودين ماه، من شهور الفرس ونحو ذلك.
الجملة السابعة في تقييد التاريخ بالسنة:
قد علمت أن فائدة التاريخ إنما تتحقق بذكر السنة بعد اليوم والشهر، وإلا فلا يعلم من أي السنين. فإذا كتب يوم كذا من شهر كذا كتب بعد ذلك، سنة كذا، سواءٌ كان التاريخ عربياً أو عجمياً، أو مركباً منهما، مثل أن يكتب سنة كذا من الهجرة الموافق لكذا من سني الروم أو سني الفرس.
ثم للكاتب في كتابة تاريخ السنة مصطلحان.
المصطلح الأول أن يكتب سنة كذا فيحتاج إلى حذف الهاء من العدد، على قاعدة حذفها من عدد المؤنث، مثل أن يكتب سنة ست وثمانمائةٍ ونحو ذلك، وعلى هذا اصطلح كتاب الديار المصرية وبلاد المشرق.
المصطلح الثاني أن يكتب عام كذا فيحتاج إلى إثبات الهاء في العدد على قاعدة إثباتها في عدد المذكر، مثل أن يكتب عام ستةٍ وثمانمائةٍ وعلى نحو ذلك يجري كتاب الغرب غالباً، لما يقال: إن العام يختص بالخصب، والسنة تختص بالمحل على ما تقدم ذكره في الكلام على السنين فيما يحتاج إليه الكاتب في المقالة الأولى.
الجملة الثامنة في معرفة بعض التواريخ من بعض:
قد ذكر في مواد البيان أن من جملة أدب الكاتب العلم بتواريخ سني العالم واستخراج بعضها من بعض في كل وقتٍ من أوقات اليوم الذي هو فيه من كل شهرٍ وسنة من سني الأمم. وقد تقدم أيضاً أن المستعمل من التواريخ في زماننا بين الأمم أربعة تواريخ، بعضها أقدم من بعض.
أولها تاريخ غلبة الإسكندر، وهو التاريخ الذي تؤرخ به السريان والروم والفرنجة ومن في معناهم إلى الآن، وهو بعد الطوفان فيما حرره الشيخ علاء الدين بن الشاطر في زيجه بثلاثة آلافٍ وسبعمائة وخمس وثلاثين سنةً وثلثمائةٍ وعشرين يوماً.
الثاني التاريخ من ملك دقلطيانوس، وهو الذي يؤرخ به القبط إلى الآن، وربما عبروا عنه بتاريخ الشهداء، إشارة إلى تسميتهم الذين قتلهم دقلطيانوس من القبط شهداء، وهو بعد غلبة الإسكندر بخمسمائةٍ وأربع وتسعين سنة وثلثمائة واثنين وثلاثين يوماً.
الثالث التاريخ من الهجرة، وعليه تاريخ الإسلام، وهي بعد ملك دقلطيانوس بثلثمائة وست وثلاثين سنة وثلثمائة وأحدٍ وعشرين يوماً.
الرابع التاريخ من هلاك يزدجرد آخر ملوك الفرس. وقد تقدم أنه بعد الهجرة بعشر سنين وثمانيةٍ وسبعين يوماً.
فأما التاريخ السرياني والرومي وهو الذي مبدأه من غلبة الإسكندر فقد تقدم أن شهور السريانيين اثنا عشر شهراً، وهي: تشرين الأول تشرين الثاني كانون الأول كانون الثاني شباط أذار نيسان أيار حزيران تموز آب أيلول. منها سبعة أشهر، كل شهر منها أحدٌ وثلاثون يوماً، وهي تشرين الأول، وكانون الأول، وكانون الثاني، وأذار وأيار وتموز وآبٌ، وأربعة أشهر كل شهر منها ثلاثون يوماً، وهي: تشرين الثاني، ونيسان، وحزيران، وأيلول. ومنها واحدٌ ثمانية وعشرون يوماً، وهو شباط، فتكون أيام سنيه ثلثمائةٍ وخمسةً وستين يوماً، ويضاف إليه ربع يوم مراعاةً للسنة الشمسية، فتصير ثلثمائة وخمسةً وستين يوماً وربع يوم ينقص جزءاً يسيراً. ومن أجل ذلك يعدون ثلاث سنين بسائط يكون شباط فيها تسعة وعشرين يوماً، لإضافة ربع اليوم في السنين الأربع إليه، وتكون السنة فيها ثلثمائةٍ وستةً وستين يوماً.
وقد تقدم أيضاً أن شهور السنة الرومية تضاهي شهور السنة السريانية في عدد الأيام، بل هي هي، إلا أن الروم يسمون أشهرهم بأسماء غير أسماء شهور السريان، ويكون أول شهورهم موافقاً لكانون الثاني، وهو الشهر الرابع من شهور السريان، ويكون آخر شهورهم موافقاً لكانون الأول.
وأسماء شهورهم: ينير، فبراير، مارس، إبريل، مايه، يونيه، يوليه، أغشت، شتنبر، أكتوبر، نونمبر، دجنبر. ولا فرق في شيءٍ منها سوى اختلاف الأسماء وابتداء رأس السنة، وحينئذ فيكون الكل فيها في التاريخ واحداً.
وأما التاريخ القبطي، وهو الذي مبدأه من ملك دقلطيانوس، فقد تقدم أن شهور السنة القبطية اثنا عشر شهراً، وهي: توت، بابه، هتور، كيهك، طوبه، أمشير، برمهات، برموده، بشنس، بؤونة، أبيب، مسرى. وكل شهر منها ثلاثون يوماً من غير اختلاف، ثم بعد مسرى خمسة أيام يسمونها أيام النسيء، فتكون أيام سنتهم ثلثمائةٍ وخمسةً وستين يوماً، وتزيد بعد ذلك ربع يوم في كل سنة كما في التاريخ الرومي، وقد اصطلحوا على أن يعدوا منها ثلاث سنين بسائط، كل سنة منها ثلثمائة وخمسةٌ وستون يوماً لا زيادة فيها، والرابعة كبيسةٌ تكون أيام النسيء فيها ستة أيام وزيادة ربع يوم، وتصير أيام تلك السنة ثلثمائة وستة وستين يوماً، على نحو ما تقدم في السرياني والرومي.
وأما التاريخ العربي: وهو الذي مبدأه الهجرة، فقد تقدم في الكلام على الشهور في المقالة الأولى أن شهور سنة العرب اثنا عشر شهرا. وهي: المحرم، صفر، ربيع الأول، ربيعٌ الآخر، جمادى الأولى، جمادى الآخرة، رجبٌ، شعبان، رمضان، شوال، ذو القعدة، ذو الحجة. وأنها قمرية مدارها رؤية الهلال، إلا أن المنجمين اعتمدوا فيها على الحساب دون الرؤية لتصحيح حساب التواريخ ونحوها، وجعلوا فيها شهراً تاماً عدده ثلاثون يوماً، وشهراً ناقصاً عدده تسعةٌ وعشرون يوماً، على ترتيب شهور السنة، فالمحرم عندهم تام، وصفر ناقص، وربيع الأول تامٌّ، وربيعٌ الآخر ناقصٌ، وجمادى الأولى تام، وجمادى الآخرة ناقص، ورجب تام، وشعبان ناقص، ورمضان تام، وشوال ناقصٌ، وذو القعدة تامٌّ، وذو الحجة ناقص. فيكون من السنة ستة أشهر تامة وستة أشهر ناقصة، وتكون السنة حينئذ ثلثمائة يوم وأربعةً وخمسين يوماً، ويلحقها بعد ذلك كسرٌ في كل سنة، وهو خمس يوم وسدس يوم، فتصير السنة ثلثمائة يوم وأربعة وخمسين يوماً وخمس يوم وسدس يوم مفرقة في ثلاثين سنة، ويجعلون الكبيسة سنةً بعد سنة ثم سنةً بعد سنتين، ثم سنةً بعد سنة، وعلى هذا الترتيب إلى آخر الثلاثين، فتكون الكبائس هي: الثانية، والخامسة، والسابعة، والعاشرة، والثالثة عشرة، والخامسة عشرة، والثامنة عشرة، والحادية والعشرين، والرابعة والعشرين، والسادسة والعشرين، والتاسعة والعشرين. فتكون كل سنةٍ منها ثلثمائة وخمسةً وخمسين يوماً، ويجعل الزائد فيها في ذي الحجة، فيكون فيها ثلاثين يوماً وباقي سني الثلاثين بسائط، كل سنة منها ثلثمائة وأربعةٌ وخمسون يوماً، وذو الحجة فيها تسعةٌ وعشرون يوماً، بناء على الأصل في أن يكون شهرٌ تاماً وشهرٌ ناقصاً.
وأما التاريخ الفارس: وهو الذي مبدأه من هلاك يزدجرد، فقد تقدم في الكلام على الشهور أن سني الفرس اثنا عشر شهراً، كل شهر منها ثلاثون يوماً. وهي: أفرودين ماه، أرديهشتماه، حردادماه، تيرماه، تردماه، شهريرماه، مهرماه، أبان ماه، أدرماه، ذي ماه، بهمن ماه، اسفندراما. وبين أبان ماه وأدرماه خمسة أيام تسمى المسترقة بمثابة أيام النسيء في آخر سنة القبط، وبمقتضى ذلك تكون سنتهم ثلثمائة وخمسةً وستين يوماً، وليس فيها زيادةٌ ولا نقصٌ. فلا بد من معرفة هذه الأصول لاستخراج تواريخ بعض السنين المذكورة من بعض.
ثم مما يجب تعرفه بعد ذلك أن تعلم أن التاريخ السرياني والرومي سنونه سريانية أو رومية على ما تقدم، فيعتبر فيها ما يعتبر في السنين السريانية والرومية من عدد الأيام والكبائس، والتاريخ القبطي سنونه قبطية فيعتبر فيها ما يعتبر في السنين القبطية من الأيام والكبائس، والتاريخ العربي سنونه عربية فيكون على ما تقدم في السنين العربية من عدد الأيام والكبائس، والتاريخ الفارسي سنونه فارسية فيعتبر فيها ما يعتبر في السنين الفارسية من عدد الأيام، ولا كبيسة فيها إذا علمت ذلك فإذا أردت استخراج بعض هذه التواريخ من بعضٍ، فانظر التاريخ المعلوم عندها عندك، كالتاريخ العربي مثلاً عند الإسلاميين فجعل السنين تامة من التاريخ المعلوم أياماً، وزد عليها ما مضى من السنة المكسورة من الشهور والأيام إلى اليوم الذي تريد أن تعلم موافقته لمثله من التاريخ المجهول، ثم انظر، فإن كان التاريخ المعلوم أقدم من التاريخ المجهول، فانقص من أيام التاريخ المعلوم ما بين التاريخين من الأيام فما بقي فهو أيام التاريخ المجهول، وإن كان التاريخ المجهول أقدم، فازد ما بين التاريخين من الأيام فما بقي فهو أيام التاريخ المعلوم، فما بلغ فهو أيام التاريخ المجهول. فإذا علمت أيام التاريخ المجهول بزيادة ما بين التاريخين على أيام التاريخ المعلوم أو نقصانها منه على ما تقدم، فاجعل ما حصل معك من أيام التاريخ المجهول الذي تريد استخراجه، فما كان فهو السنون التامة للتاريخ الذي تريد استخراجه، فإذا بقي شيءٌ من الأيام فهو السنين التامة، فخذ منها لكل شهر عدد أيامه، وما بقي من الأيام دون شهر فهو الماضي من أيام الشهر الذي يلي ذلك.
مثال ذلك إذا أردت أن تستخرج التاريخ السرياني أو الرومي الموافق لآخر سنة ثمانمائة من الهجرة، فقد تقدم لك أن التاريخ السرياني والرومي مبدأه من غلبة الإسكندر على الفرس، وهو قبل الهجرة بتسعمائة سنةٍ واثنتين وثلاثين سنة ومائتين وسبعةٍ وثامنين يوماً، وذلك ثلثمائة ألف يوم وأربعون ألف يوم وسبعمائة يوم، فاحفظ ذلك، ثم ابسط الماضي من سني الهجرة وهو ثمانمائة سنة أياماً، بأن تضرب الثمانمائة في عشرة آلاف وستمائة وأحد وثلاثين يوماً، وهي بسط السنة العربية من حين كسرها الزائد على أيامها، وهو خمس يوم وسدس يوم، يكون ثمانية آلاف وخمسمائة ألف وأربعة آلاف وثمانمائة، فاقسمه على ثلاثين وهي مخرج الكسر الذي هو الخمس والسدس، يخرج بالقسمة مائتا ألف وثلاثة وثمانون ألفاً وأربعمائة وثلاثة وتسعون، وهو عدد أيام الثمانمائة سنة، فاضفه على ما بين غلبة الإسكندر والهجرة من الأيام، وهو ثلاثمائة ألف وأربعون ألفاً وسبعمائة يوم، ويكون الجمع ستمائة ألف وأربعةً وعشرين ألفاً ومائةً وثلاثةً وتسعين، فاجعل تلك الأيام سنين سريانية، بأن تضرب تلك الأيام في أربعة، يحصل منها ألفاً ألف وأربعمائة ألف وستةٌ وتسعون ألفاً وسبعمائة واثنان وسبعون يوماً، فاقسمه على ألف وأربعمائةٍ وأحد وستين، يخرج بالقسمة ألفٌ وسبعمائة وثمانية، وهي سنون تامة، ويفضل بعد ذلك ألفٌ وثمانمائة وأربعة وثمانون، فاقسمها على أربع، يخرج ثلاثمائة وستة وأربعون يوماً، ويكون ذلك أحد عشر شهراً، من أول تشرين الأول وأحد عشرة يوماً من الشهر الثاني عشر من الشهور السريانية وهي أيلول، فيكون آخر يوم من سنة ثمانمائة هجرية موافقاً لليوم الحادي عشر من أيلول سنة ألف وسبعمائة وتسع من السريانية.
وإن أردت أن تستخرج التاريخ القبطي لآخر سنة ثمانمائةٍ، فقد تقدم أن التاريخ القبطي ابتداؤه من ملك دقلطيانوس على القبط، وهو قبل الهجرة بثلثمائة وسبع وثلاثين سنة وثلثمائةٍ وعشرين يوماً، وجملة أيامه مائة ألف يوم وثلاثةٌ وعشرون ألف يوم وأربعمائة يوم وتسعة أيام، فأضف أيام الماضي من سني الهجرة، وهو مائتا ألف وثلاثة وثمانون ألفاً وأربعمائة وثلاثة وتسعون على ما تقدم في التاريخ السرياني على ما قبل الهجرة وهو مائة ألف وثلاثة وعشرون ألفاً وأربعمائة وتسعة أيام، يكون المجموع أربعمائة ألفٍ وستة آلاف وتسعمائة يوم ويومين، فاجعله سنين قبطية، بأن تضرب ذلك في أربعة عدد مخرج كسر السنة القبطية، وهو الربع الزائد على الخمسة وستين، يكون ألف ألف وستمائة ألف وسبعة وعشرين ألفاً وستمائة وثمانية، فاقسمه على ألف وأربعمائة وأحد وستين، يخرج بالقسمة ألف ومائة وأربعة عشر، وهو عدد السنين القبطية التامة، ويبقى بعد ذلك أربعةٌ وخمسون، فاقسمه على الأربعة المذكورة يخرج بالقسمة أربعة عشر، وهي أيام من الشهر الأول من السنة القبطية الناقصة، فيكون آخر يوم من سنة ثمانمائة للهجرة موافقاً لرابع عشر شهر توت سنة ألف ومائة وخمس عشرة من السنين القبطية.
وإن أردت أن تستخرج التاريخ الفارسي لآخر سنة الثمانمائة المذكورة، فقد تقدم أن ابتداء التاريخ الفارسي بعد الهجرة بعشر سنين وثمانين يوماً، وجملة أيامه ثلاثة آلاف يوم وستمائة يوم وأربعةٌ وعشرون يوماً، فأسقطها من الحاصل من أيام النسيء الماضي من الهجرة إلى آخر الثمانمائة، يكون الباقي بعد ذلك مائتي ألفٍ وتسعةً وسبعين ألفاً وثمانمائة وتسعةً وستين يوماً، فاقسمها على ثلثمائة وخمسة وستين، يخرج لك سبعمائة وستةٌ وستون سنة، وهو عدد السنين الفارسية التامة، ويفضل بعد ذلك مائتان وتسعةٌ وسبعون يوماً، فخذ لكل شهر عدد أيامه، وهو ثلاثون يوماً ويبقى تسعة أيام، منها خمسة أيام في نظير الخمسة الأيام الزائدة في آخر أبان ماه المعروفة بالمسترقة، يبقى أربعة أيام من شهر ذي ماه، وهو الشهر العاشر من شهورهم، فيكون آخر يوم من ثمانمائة من الهجرة موافقاً لليوم الرابع من ذي ماه من شهور الفرس سنة سبعمائة وسبع وستين.
فلو فرض أنه مضى من سنة إحدى وثمانمائة ستة أشهر مثلاً، فاجعل الأشهر شهراً تاماً وشهراً ناقصاً على ما تقدم، تكون أيامها مائةً وسبعة وسبعين يوماً فأضفها على أيام الثمانمائة، وافعل فيها ما تقدم ذكره، لا يتغير العمل في شيء من ذلك.
مثال ذلك: إذا أردت استخراج التاريخ السرياني في آخر جمادى الآخرة سنة إحدى وثمانمائة، فأضف مائة وسبعة وسبعين، وهي أيام ستة أشهر على أيام الثمانمائة، وهي مائتا ألفٍ وثلاثةٌ وثمانون ألفاً وأربعمائة وثلاثةٌ وتسعون، يكون المجموع مائتي ألفٍ وثلاثةً وثمانين ألفاً وستمائة وستين يوماً، فأضف إليه ما بين الهجرة والتاريخ السرياني، وهو ثلثمائة ألفٍ وأربعون ألفاً وسبعمائة، يحصل من ذلك ستمائة ألفٍ وأربعة وعشرون ألفاً وثلثمائة وسبعون، فاضربه في أربعة يخرج ألف وستمائة وتسعة، ويفضل من الأيام مائةٌ وثمانية وخمسون يوماً، تكون سابع أذار من شهور السريان، فيكون آخر يوم من جمادى الآخرة سنة إحدى وثمانمائة موافقاً للسابع من شهر أذار سنة ألف وسبعمائة وعشر من سني السريان.
قلت: وفي كتب الزيجات وغيرها طرق مختلفة لاستخراج التواريخ، وجدأول موضوعةٌ لا يحتملها هذا الكتاب فليراجعها من احتاج إلى زيادة على ذلك.
الجملة التاسعة في موضع كتابة التاريخ من الكتاب وصورة وضعه في الكتابة:
أما موضعه من الكتاب، فقال محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة: رسموا تاريخ الكتب في آخرها، وجعلته العامة في صدورها. والتحقيق في ذلك ما ذكره صاحب مواد البيان وغيره أن الكتب التي تؤرخ على ضربين:
الضرب الأول الكتب السلطانية، ولها حالان:
الحالة الأولى أن يكون الكتاب في أمر تتشوف النفوس إلى معرفة اليوم الذي وقع ذلك الأمر فيه، كالحوادث العظام، والفتوحات والمواسم ونحوها، فيؤرخ الكتاب في صدره، مثل أن يكتب في صدر الكتاب كتاب أمير المؤمنين إليك، أو كتابنا إليك يوم كذا من سنة كذا كما كان يكتب في الزمن المتقدم في مثل ذلك.
الحالة الثانية أن يكون الكتاب في أمر لا تتشوف النفوس إلى معرفة اليوم الذي يقع ذلك الأمر فيه، فيؤرخ الكتاب في آخره.
الضرب الثاني كتب الأتباع إلى الرؤساء.
والرسم فيها أن تؤرخ في صدورها. قال في مواد البيان: وذلك مثل أن يقال: كتب العبد من مقر خدمته يوم كذا.
قلت: والذي استقر عليه حال كتاب الزمان كتابة التاريخ في آخر الكتاب بكل حال، سواءٌ كان المكتوب ولايةً أو مكاتبةً أو غير ذلك، ولعل الولايات وما في معناها لم يقع الاختلاف في كتابتها في آخر المكتوب في زمن من الأزمان.
وأما صورة وضع التاريخ في الكتابة، فقد اصطلح الكتاب على أن جعلوا التاريخ بعد كتابة إن شاء الله تعالى في سطرين، فيكتبون كتب في كذا من شهر كذا في سطرٍ، ثم يكتبون سنة كذا، في سطر تحته، وفي الكتب عن قضاة القضاة يجعل كتابهم جميع التاريخ في سطر واحد.